يعتقد بعض الخبراء أن هذه الشبكة اللامركزية والتي يشار إليها أيضًا باسم Web 3.0 ستجلب المزيد من الشفافية والديمقراطية إلى العالم الرقمي، حيث قد ينشئ Web 3.0 نظامًا بيئيًا رقميًا لا مركزيًا، يكون فيه المستخدم قادرًا على الامتلاك والتحكم في كل جانب من جوانب تواجده الرقمي، وهذا من شأنه أن يضع حدًا للأنظمة المركزية الحالية التي تُشجع على استغلال البيانات وانتهاك الخصوصية.
عادة ما يُنظر إلى ظهور التقنيات القائمة على الشبكات اللامركزية مثل: تقنية البلوك تشين والعملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال NFT والميتافيرس وتقنية دفتر الحسابات الموزع Distributed Ledger وغيرها؛ على أنها مُقدِمةٌ لعصرٍ جديدٍ من شبكة الإنترنت، والذي سيكون إصدارًا أكثر شفافيةً وانفتاحًا يتحكم فيها المستخدمون بدلاً من عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وفيسبوك.
ما هو الويب 3.0؟
عندما أسس تيم بيرنرز لي Tim Berners-Lee شبكة الويب العالمية في العام 1989، فإن تصوره كان أن تعمل كمركز معلومات مفتوح، بمعنى أن تكون مساحة عالمية لا تتحكم فيها سلطةٌ مركزيةٌ، بحيث يمكن لأي شخص الوصول إليها دون أي إذن.
هذا ما يمكن أن يمثله مصطلح web 3.0 الذي تم صياغته بواسطة جون ماركوف في مقالٍ في صحيفة نيويورك تايمز عام 2006، ويعتقد الكثير من الخبراء أن web 3.0 هو عودةٌ إلى فكرة الإنترنت الأصلية التي تصورها تيم بيرنرز لي سابقًا.
بالرغم من عدم وجود تعريف محدد يُتفق عليه حول الويب 3.0، لكن يمكن القول بأنه يُعتبر الجيل القادم من الإنترنت، حيث يتم تطويع الذكاء الاصطناعي والأنظمة للتفكير بطريقةٍ بشريةٍ بدلاً من مجرد اتباع الأوامر.

على سبيل المثال: يمكن للأنظمة الأكثر قوةً أن تعمل كمستشارين شخصيين في مجالاتٍ متنوعةٍ مثل التخطيط المالي، أو الاستشارات التعليمية، أو مساعدة طالب المدرسة الثانوية في تحديد الكلية الصحيحة وفقًا لأدائه في المرحلة الثانوية.
حيث تهدف جميع المشاريع إلى إنشاء إنترنت قوي لا مركزي للاستفادة من أجهزة الكمبيوتر القوية المتزايدة التي يمكنها البحث في الويب بسرعة وبشكل كامل، وذلك من خلال الاستفادة من التطور الكبير في الحوسبة وشبكات البيانات اللامركزية والبلوك تشين والذكاء الاصطناعي.
الهدف النهائي من الويب web 3.0 هو إنشاء مواقع ويب وتطبيقاتٍ وتقنياتٍ أكثر ذكاءً واتصالًا وانفتاحًا، وحتى الآن فإن تنفيذ الويب 3.0 لم يتم بشكل كامل، ومع ذلك يتم حاليًا تطوير التقنيات التي يُعتقد أنها ستكون جزءًا منه في النهاية مثل إنترنت الأشياء والمنازل الذكية.
كيف وصلنا إلى مفهوم الويب 3.0؟
لقد مر أكثر من 30 عامًا منذ ظهور شبكة الويب العالمية لأول مرة، وخلال هذه الفترة الزمنية مرّ عالم الإنترنت بمرحلتين من التطور هما:
الويب 1.0: عصر القراءة فقط
هو الإصدار الأول من الإنترنت الذي تم تطويره بدايةً من عام 1989، وكان هذا الإنترنت المبكر يتكون في الغالب من صفحات ويب مرتبطة ببعضها البعض بواسطة ارتباطاتٍ تشعبيةٍ، يشار إليه أيضًا باسم الويب “للقراءة فقط”.

هذا الإصدار لم يكن يتيح أي نوع من التفاعل، وتم إنشاء الكثير من تقنياته في وضع عدم الاتصال Offline، على سبيل المثال: كانت صفحات الويب الفردية عبارةً عن صفحاتٍ ثابتةٍ تمت استضافتها على خوادم الويب التي يديرها موفرو خدمة الإنترنت، واستخدم الأشخاص هذا الإصدار غالبًا في القراءة من أجل المعرفة.
الويب 2.0: عصر التفاعل بين المستخدمين
ظهر إصدار الويب 2.0 في حوالي عام 1999، كنتيجةٍ لظهور منصات التواصل الاجتماعي، والإعلانات الرقمية، والمدونات، والعديد من الخدمات الأخرى التي سمحت للمستخدمين بالتفاعل مع بعضهم البعض عبر الإنترنت.
مع ذلك فإن ظهور الويب 2.0 لا يشير إلى أي ترقياتٍ تقنيةٍ محددة للإنترنت، ولكن يُشير إلى تحول في كيفية استخدام الإنترنت من منصةٍ للقراءة فقط إلى مكانٍ لإنشاء المحتوى والتجارب التفاعلية.
وقد أدى إطلاق هاتف آيفون من شركة آبل في عام 2007 إلى انتشار الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول، والذي سمح للجميع بالبقاء على اتصالٍ دائم، وأصبح الإنترنت جزءًا أساسيًا من حياتنا. ومع ذلك، فإن هذا التطور كان له عيوبه، حيث أصبح الويب أكثر مركزيةً من خلال طرقٍ جديدةٍ أكثر تنظيمًا، وتعزيز درجةٍ أكبر من التعاون بين الأشخاص، لكنها فتحت أيضًا فرصًا جديدةً للتعقب عبر الإنترنت وانتهاكات الخصوصية والخداع ونشر المعلومات المضللة والقرصنة وغيرها من السلوكيات الخاطئة.
يعود هذا إلى حقيقة أن معظم خدمات الإنترنت التي نستخدمها اليوم يتم التحكم فيها من قِبل عمالقة شركات التكنولوجيا، مثل: جوجل ومايكروسوفت وأمازون وفيسبوك، حيث يتمتع المستخدمون بقدر ضئيٍل من التحكم في كيفية استخدام بياناتهم.
تقوم هذه الشركات العملاقة التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات – بالإضافة إلى العديد من الشركات الأصغر التي تنتشر على الويب – بالتلاعب بالمستخدمين واستغلال بياناتهم؛ من أجل الربح بطرقٍ مختلفةٍ منها الإعلانات المستهدفة التي تأتي بناءً على جمعها لبيانات المستخدمين.
أثارت سلوكيات شركات التكنولوجيا الكثير من الجدل، حيث ظهرت العديد من التقارير حول استراتيجيات الأعمال التي تتبعها أمازون وانتهاكات الخصوصية من قِبل فيسبوك واستخدام جوجل للذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي يثير مخاوف كبيرة تتعلق بالسلامة المرتبطة بإصدار الويب 2.0، حيث جعل هذا السبب العديد من الخبراء يذكرون أن الويب 3.0 سيكون إصدارًا أكثر أمانًا ومطلوبًا للغاية من الإنترنت.

ما هي أبرز الوعود المنتظرة عند الانتقال إلى الويب 3.0؟
على الرغم من أننا لم نشهد بعد تحولًا كاملاً إلى الويب 3.0، إلا أن خبراء التكنولوجيا قدموا بعض التوقعات الواعدة حول الشكل الذي قد يبدو عليه الإنترنت في المستقبل، وفيما يلي بعضٌ من هذه الافتراضات المثيرة للاهتمام:
♦ التوافق
قد يكون الويب 3.0 بمثابة امتدادٍ لعناصر مختلفةٍ من الويب 2.0 مثل الطريقة التي ينشئ بها المطورون مجموعةً من تطبيقين أو أكثر، ولكن في الويب 3.0 سيكون المستخدمون قادرين على استخدام التطبيقات في أي نظام تشغيل، على سبيل المثال يمكن استخدام تطبيق متوفر حصرًا لنظام التشغيل iOS في هاتف أندرويد.
♦ لا مركزية البيانات
في الوقت الحاضر يحصل المستخدم على معلوماتٍ من الإنترنت عبر خوادم وقواعد بياناتٍ مختلفةٍ تقع في أجزاء مختلفة من العالم، ونصفها مملوكةٌ بشكل كامل لشركات التكنلوجيا العملاقة مثل أمازون وجوجل ومايكروسوفت.
ولكن في الويب 3.0 سيتم تخزين البيانات على شبكاتٍ سحابيةٍ لامركزيةٍ ووحدات تخزين مستقلة، ولن يعتمد الويب 3.0 على أي وحدات بيانات مركزية لتوفير المعلومات للمستخدمين، ومع ذلك فإن إنشاء مثل هذا النظام اللامركزي القوي لتخزين البيانات يُعدّ في حد ذاته تحديًا كبيرًا للغاية.
♦ تخصيص نتائج البحث بشكلٍ أكبر
سيعمل البحث عبر الإنترنت أيضًا بشكلٍ مختلف في الويب 3.0، فمن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي سيقدم محرك البحث نتائج مخصصة بشكل أكثر تفصيلًا ودقة لكل مستخدم على حدى بناءً على تفضيلاته واحتياجاته.

لماذا نحتاج إلى إصدارٍ جديدٍ من شبكة الويب؟
مع وصول الويب 3.0 سوف ينشئ اقتصادًا رقميًا عالميًا جديدًا ويخلق نماذج أعمال وأسواقًا جديدةً تتماشى معها، ولكن الأهم هو القضاء على احتكار شركات التكنلوجيا الكبرى مثل جوجل وفيسبوك للأنظمة الأساسية.
مع غياب الاحتكار فهذا من شأنه أن يؤدي إلى ظهور مستوياتٍ واسعة من الابتكار من القاعدة إلى القمة، حيث ستصبح الهجمات الحكومية على خصوصية المجتمعات وحريتها – مثل تتبع البيانات والرقابة والدعاية الموجهة – أكثر صعوبة.
قد يهمك ايضا: ما هو الميتافيرس Metaverse وهل سننتقل لنعيش في عالم جديد قريباً؟
ومع ذلك من المؤكد أننا لا نستطيع توقع حالات الاستخدام الناجحة الأولى لهذا النظام الأساسي الجديد ومتى قد يظهر. كما هو الحال مع تطور الإنترنت قبله،
حيث يمكن أن يأخذ هذا الأمر وقتًا طويلًا قد يصل إلى عقود، ولكن عندما يظهر الويب 3.0 فإنه سيجلب معه معنى جديدًا تمامًا لعبارة العصر الرقمي.
الخلاصة
لا أحد يستطيع أن يؤكد بالضبط متى سنكون قادرين على رؤية إصدار الويب 3.0 بشكلٍ كامل ولكن هناك بعض المجتمعات عبر الإنترنت مثل: Web3 Foundation و Ethereum Network و Polkadot يعملون حاليًا في مشاريع مختلفةٍ تهدف إلى جعل الويب 3.0 حقيقةً واقعةً في المستقبل القريب.
ومع ذلك تشير بعض التقارير إلى أن إنشاء الويب 3.0 سيتطلب الكثير من الموارد والبنية التحتية الإضافية، ولن تكون مهمةً سهلةً لإنشاء نظام يمكنه إنهاء احتكار شركات التكنولوجيا العملاقة أو حتى تسمح بذلك.
يشير توجه شركة فيسبوك – META حاليًا – في التوسع في عالم الميتافيرس إلى أننا قد نصل إلى إصدار الويب 3.0 في خلال عقدٍ أو أقل، ولكن في الوقت نفسه من المحتمل أن يخضع أيضًا لسيطرة الشركات نفسها التي تتحكم في الإصدار الحالي من الإنترنت.